في المسألة الأوروبية

{title}
أخبار الأردن -

مالك العثامنة

أوروبا ليست واحدة في توجهاتها، ومخطئ من يقرأ الاتحاد الأوروبي كحالة وحدة عضوية متماسكة، هي وحدة مصالح انطلقت من أهداف اقتصادية، بدأت جمركية تحديدا لكنها تستنزف نصف طاقتها في تثبيت أنواع غراء اللصق بين أعضائها للبقاء متماسكة، ونصف الطاقة الآخر موزع على كل جبهات الأزمات وآخرها تلك الجبهة أقصى الشرق مع روسيا.

التشققات ليست مخفية، ومن يتابع عن كثب كواليس أروقة الاتحاد الأوروبي سيجد الخلافات متناثرة في كل مكان، المبنى العريض والضخم في حي شومان في بروكسل ليس أكثر من تجمع خلافات يحاول "جماعة الاتحاد" أن تبقى في ذلك الحي الأوروبي من العاصمة البلجيكية ولا تتعداه.

التشقق الذي بدأ يأخذ مداه في الجدار كان واضحا بعد أزمة اللجوء السوري، وسط أوروبا بقيادة المجر ورئيس وزرائها فكتور أوربان حاولت إحياء تحالف "فيجغراد" وكادت تلك الكتلة الحرجة أن تصل إلى ضفاف الانشقاق وأحرجت كل مفهوم الوحدة الأوروبية.

القصة لم تكن رمانة كما يقولون، بل قلوب مليانة، فتلك الدول من شرق القارة، والخارجة حديثا من تجربة منهكة خلف ستار الشيوعية الحديدي تأملت في وحدتها "القارية" أن تظفر بنعم الرأسمالية التي كانت تدخل بالتهريب إلى حدودها على شكل منتجات غربية، لكنها وبعد أن فتحت الحدود وجدت أن الرأسمالية الغربية في قارتها البيضاء تستنزف خيراتها ولا تعطيها حق الشراكة الكاملة في وحدة اقتصادية يفترض أن تقوم على التكامل.

أوروبا اتهمت أوربان وحلفاءه أنهم "عنصريون" ضد اللاجئين. حسنا، الحقيقة مختلفة كثيرا على أرض الواقع!

اليوم، وبحكم أن عائلة زوجتي من بودابست، فأنا محظوظ أني أعيش بين عاصمتين فعليا، عاصمة الوحدة الأوروبية "بروكسل" وعاصمة التمرد على بروكسل وأعني بودابست.

غير المجريين في المجر لا يعانون هذا الكم من العنصرية فيها، هناك قوانين أكثر صرامة بخصوص التجنس والإقامة، لكن العيش كريم على قلة الموارد، هناك حياة حرة لكن مسؤولة ومتساوية. نعم هناك يمين مجري متعصب يرى نفسه وطنيا لكن ليس إلى حد أحداث مؤسفة، وما يمكن أن يتعرض له عربي أو أي أجنبي آخر في شوارع بودابست هو ذات مقدار ما يمكن أن يتعرض له ابن المدينة نفسها.

ليس هناك نفاق تحت عنوان "الاندماج الاجتماعي" الذي لا يفضي إلى أي اندماج فعليا، فعقل الدولة يؤمن بالوطنية المجرية على مستوى ثقافي بحت، مما يعني أن الاندماج يعني قبول الشروط الصعبة للجنسية وأولها حفظ "وفهم" تاريخ المجر الطويل والمتشابك غير اللغة التي لا تخلو من صعوبات. لكن هناك من نجح بذلك من العرب، وأعرفهم جيدا، وهم أطباء ومهندسون ورجال أعمال بل وسياسيون. (سفير هنغاريا في دولة الإمارات  هو من أصل أردني كريم، وهو الصديق المحترم أسامة نفاع الذي يخدم بلاده المجر بإخلاص أي مجري).

غرب أوروبا، مريض لأنه فقد هويته باسم النيوليبرالية المفرطة وقد تحولت اليوم إلى عصبوية ترفض وتقصي من يخالفها باسم "الإنسانية"، وهذه الاستباحة المفرطة لتيار منفتح على كل الاستباحات خلق تيار اليمين المتطرف الأكثر مرضا فخسرت تلك الأوطان توازناتها مع نفسها ومع الآخرين.

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير